سيقوض التقرير الأخير حول إيران الصادر عن الاستخبارات الوطنية الأميركية -الذي يشير إلى أن طهران لا تشكل تهديداً نووياً وشيكاً- بعضاً من المواقف الصارمة التي يتبناها معظم المرشحين الرئاسيين الأميركيين، وتحديداً "الجمهوريين" بخصوص السياسة الخارجية التي يتعين على أميركا اتباعها في تعاطيها مع ملف طهران النووي. ومع ذلك، فسيتعين على المرشحين "الديمقراطيين"، في المقابل، أن يتوخوا الحذر هم أيضاً لأن الشعب الأميركي، الذي يميل إلى الحزم والصرامة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، سيكون مرتاباً فيهم لو بدوْا كما لو كانوا "حمائم" وديعة جداً. والواقع أن العدُول عن حالة الاستنفار مع إيران يعيد إلى الأذهان انتخابات رئاسية سابقة، أعني انتخابات كُسبت وأخرى خسرت، على حد سواء. لقد عملت مع جورج بوش الأب في كل من حملته الانتخابية الناجحة في 1988 وحملته الانتخابية غير الناجحة في 1992 -ولكن كم كان الفرق الذي أحدثه مرور أربع سنوات مرت بين التاريخين المذكورين، كبيراً! ففي 1988 كانت الحرب الباردة في طريقها نحو نهايتها؛ غير أن القلق من الاتحاد السوفييتي لم يفارق مع ذلك الكثير من الناخبين الأميركيين، ولأسباب وجيهة عن حق. وخلال تلك الحملة كنت أرتاح لمشاهدة وسماع نائب الرئيس "بوش الأب" حينها وهو يجيب على أسئلة الصحافيين والمواطنين بخصوص قضايا الأمن القومي. فقد كان هدوؤه ودقته يمنحاني شعوراً بالأمان، والأهم من ذلك بالطبع، أنهما كانا يجعلان الناخبين يشعرون بالأمان أيضاً. وخلال السنوات الأربع التالية من رئاسة بوش الأب، هُدم جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفييتي، والحلف الدائر في فلكه. فلم يعد ثمة "خطر أحمر" حقيقي يستدعي قلق جمهور الناخبين في أميركا. وإضافة إلى ذلك، كان بوش الأب قد أدار بنجاح حرب "عاصفة الصحراء" في 1990- 1991؛ حيث نجح في حشد تحالف دولي لطرد صدام حسين من دولة الكويت، وكان ذكياً، في نظر البعض، لأنه لم يلاحقه إلى بغداد نفسها. فكانت النتيجة أن أميركا كانت متفوقة وفي موقع قوة مريح بحلول عام 1992. وللأسف، لم يكافئ الناخبون بوش الأب في انتخابات 1992 لأنهم انتقلوا باهتمامهم وتطلعاتهم إلى المواضيع الداخلية، وهو مجال كان بوش الأب بالذات ضعيفاً فيه نسبياً. وفي تلك الانتخابات التي طغت عليها المواضيع التي تشغل بال المواطن الأميركي العادي، لم يكن مهماً أن المنافسيْن، "الديمقراطي" بيل كلينتون والمستقل "روس بِيرو"، لم تكن لديهما أية تجربة في مجال صنع السياسة الخارجية، مثلما لم يكن مهماً أن "بِيرو" كان صراحةً، غير واضح الرؤية، إن لم يكن بالمختصر المُفيد "غريب الأطوار". وقد ساعد منافسي بوش الأب في ذلك الوقت أن مخاوف الحرب الباردة بخصوص الاستثمار في الخوف وضرورة قرع الأجراس بضرورة الاستعداد للمواجهة مع خطر خارجي والحذر منه كانت قد ولَّت، ولم تعد في مقدمة الموضوعات كما كان الحال سنة 1988. والمفارقة هي أنه لو كان بوش الأب أقل نجاحاً على صعيد السياسة الخارجية -أي لو استمرت الحرب الباردة وطالت أزمة الكويت على نحو ما- لكان الرئيس الأميركي الحادي والأربعون قادراً على أن يجادل بالقول: "أعيدوا انتخابي لأنكم في حاجة إلى شخص محنَّك وذي تجربة ليراقب تحركات الدب الروسي المُتنمِّر، وصدام حسين الخبيث". ولكن بدلاً من ذلك، كان مصير بوش الأب شبيهاً بالمصير الذي لقيه رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل في 1945: الفوز في الحرب وخسارة الانتخابات التالية، ذلك أن الناخبين، في مثل هذه الأحوال، ينظرون إلى المستقبل، وليس إلى الماضي. وبطبيعة الحال خلال الاستحقاقين الانتخابيين التاليين 1996 و2000، لم تكن السياسة الخارجية تكتسي أهمية كبرى. ثم جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومرة أخرى أمسك رئيس "جمهوري" آخر اسمه "بوش الابن" أوراق الأمن القومي؛ وأثبتت مقاربته تجاه الإرهاب نجاحها في 2004 حين أعيد انتخابه، وإن لم يكن الأمر كذلك في انتخابات الكونجرس النصفية عام 2006. ولكن الآن، ومع عودة الأوضاع إلى طبيعتها في مرحلة ما بعد الزيادة في عديد القوات الأميركية في العراق، وما يبدو أنه استبعاد لموضوع إيران -وعلى افتراض أن الأوضاع في باكستان التي تمتلك السلاح النووي لن تسوء كثيراً- فمن المرجح أن انتخابات 2008 الرئاسية ستطغى عليها نفس الذهنية: "لنركز على الجبهة الداخلية!". وبالتالي، فإن الانتخابات الرئاسية المقبلة قد تشبه كثيراً انتخابات 1992؛ وذاك أمر سيئ جداً بالنسبة لـ"الجمهوريين"! ومع ذلك، فإن "الديمقراطيين" ليسوا محصَّنين تماماً. فالزعامة "الديمقراطية" في الكونجرس، مثلاً، يبدو أنها انخرطت كثيراً في الموقف القائل إننا "خسرنا" الحرب في العراق. والحال أنه سيكون ضرباً من ضروب الجنون القول إن "المهمة انتهت" كيفما اتفق؛ فالشعب الأميركي يكره الهزيمة أيضاً. وبالتالي، فإن تنامي الانطباع بأن "الديمقراطيين" انهزاميون قد يكون قاتلاً بالنسبة لهم في العام المقبل. فقد كان ذلك مصيرَ مرشح الحزب خلال فترة الحرب الأهلية، جورج ماكليلان، في انتخابات 1864 الرئاسية، وكان أيضاً مصير جورج ماكغوفرن في انتخابات 1972 خلال حرب فيتنام. شيء أخير: من يعتقد حقاً في قرارة نفسه أن إيران لا تسعى إلى امتلاك السلاح النووي؟ إننا لا نعرف بالضبط متى سيحصل الإيرانيون على القنبلة، ولكننا في الواقع قد لا نعرف أبداً. فقد أخذنا السوفييت على حين غرة حين جربوا سلاحهم النووي، لأول مرة، في عام 1949. جيمس بنكرتون كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"